JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

من هو الصحابي الذي اشترى الاخرة بالدنيا ؟



سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ رَجُلٌ اشْتَرَى الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا وَآثَرَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى سِوَاهُمَا »

نسبه :

هو :سَعيدُ بن عامر بن حذيم بن سلمان بن ربيعة الجمحي القرشي.

قصة اسلامه: 

كَانَ الْفَتَى سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الْجُمَحِيُّ ، وَاحِدًا مِنَ الْآلَافِ الْمُؤَلَّفَةِ ، الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى مِنْطَقَةِ ( التَّنْعِيم)  فِي ظَاهِرِ مَكَّةَ بِدَعْوَةٍ مِنْ زُعَمَاءِ قُرَيْشٍ ، لِيَشْهَدُوا مَصْرَعَ ( خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٌّ أَحَدٍ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَنْ ظَفِرُوا بِهِ غَدْرًا)

وَقَدْ مَكَّنَهُ شَبَابُهُ الْمَوْفُورُ وَفُتُوَّتُهُ الْمُتَدَفِّقَةُ مِنْ أَنْ يُزاحِمَ النَّاسَ بِالْمَنَاكِبِ ، حَتَّى حَاذَى شُيُوخَ قُرَيْشٍ مِنْ أَمْثَالِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَتَصَدَّرُونَ الْمَوْكِبِ

وَقَدْ أَتَاحَ لَهُ ذَلِكَ أَنْ يَرَى أَسِيرَ قُرَيْشٍ مُكَبَّلًا بِقُيُودِهِ ، وَأَكُفُ النِّسَاءِ وَالصَّبْيَانِ وَالشَّبَانِ تَدْفَعُهُ إِلَى سَاحَةِ الْمَوْتِ دَفْعًَا ، لِيَنْتَقِمُوا مِنْ مُحَمَّدٍ فِي شَخْصِهِ ، وَلِيَثْأَرُوا لِقَتْلَاهُمْ فِي « بَدْرٍ » بِقَتْلِهِ .

وَلَمَّا وَصَلَتْ هَذِهِ الْجُمُوعُ الْحَاشِدَةُ بِأَسِيرِهَا إِلَى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَتْلِهِ ، وَقَفَ الْفَتَى سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الْجُمَحِيُّ بِقَامَتِهِ الْمَمْدُودَةِ يُطِلُّ عَلَى حُبَيْبِ ، وَهُوَ يُقَدَّمُ إِلَى خَشَبَةِ الصَّلْبِ ، وَسَمِعَ صَوْتَهُ الثَّابِتَ الْهَادِئَ مِنْ خِلَالِ صِيَاحٍ النِّسْوَةِ وَالصِّبْيَانِ وَهُوَ يَقُولُ :

إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَتْرُكُونِي أَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ مَصْرَعِي فَافْعَلُوا ...

ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ ، وَهُوَ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، يَا لَحُسْنِهِمَا وَيَا لِتَمَامِهِمَا ... ثُمَّ رَآهُ يُقْبِلُ عَلَى زُعَمَاءِ الْقَوْمِ وَيَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي أَطَلْتُ الصَّلَاةَ جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ ، لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الصَّلَاةِ

ثُمَّ شَهِدَ قَوْمَهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ وَهُمْ يُمَتِّلُونَ بِخُبَيْبِ حَيًّا ، فَيَقْطَعُونَ مِنْ جَسَدِهِ الْقِطْعَةَ يَلْو الْقِطْعَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ لَهُ : أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَكَانَكَ وَأَنْتَ نَاجِ ؟ 

فَيَقُولُ - وَالدِّمَاءُ تَنْزِفُ مِنْهُ - : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ آمِنًا وَادِعًا فِي أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا يُوخَرُ بِشَوْكَةٍ ... فَيُلَوِّحُ النَّاسُ بِأَيْدِيهِمْ فِي الْفَضَاءِ،

وَيَتَعَالَى صِيَاحُهُمْ : أَنِ اقْتُلُوهُ ... اقْتُلُوهُ

ثُمَّ أَبْصَرَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ خُبَيْبًا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِ خَشَبَةِ

الصَّلْبِ وَيَقُولُ :

اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَدًا )

ثُمَّ لَفَظَ أَنْفَاسَهُ الْأَخِيرَةَ ، وَبِهِ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ إِحْصَاءَهُ مِنْ ضَرَبَاتِ السُّيُوفِ وَطَعَنَاتِ الرِّمَاحِ .

عَادتْ قُرَيْسٌ إِلَى مَكَّةَ ، وَنَسِيَتْ فِي زَحْمَةِ الْأَحْدَاثِ الْحِسَامِ حُبَيبًا وَمَصْرَعَهُ . لَكِنَّ الْفَتَى الْيَافِعَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ الْجُمَحِيَّ لَمْ يَغِبْ حُبَيْبٌ عَنْ خَاطِرِهِ لَحْظَةً .

كَانَ يَرَاهُ فِي حُلُمِهِ إِذَا نَامَ ، وَيَرَاهُ بِخَيَالِهِ وَهُوَ مُسْتَيْقِظ ، وَيَمْثُلُ أَمَامَهُ وَهُوَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ الْهَادِئَتَيْنِ الْمُطْمَئِنَتَيْنِ أَمَامَ خَشَبَةِ الصَّلْبِ ، وَيَسْمَعُ رَنِينَ صَوْتِهِ فِي أُذُنَيْهِ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى قُرَيْشٍ ، فَيَخْشَى أَنْ تَصْعَقَهُ صَاعِقَةٌ ، أَوْ تَخِرٌ عَلَيْهِ صَخْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ

ثُمَّ إِنَّ خُبَيْبًا عَلَّمَ سَعِيدًا مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ قَبْلُ ...

عَلَّمَهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْحَقَّةَ عَقِيدَةٌ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِ الْعَقِيدَةِ حَتَّى الْمَوْتِ

وَعَلَّمَهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِيمَانَ الرَّاسِخَ يَفْعَلُ الْأَعَاجِيبَ ، وَيَصْنَعُ الْمُعْجِزَاتِ .

وَعَلَّمَهُ أَمْرًا آخَرَ ، هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحِبُّهُ أَصْحَابُهُ كُلَّ هَذَا الْحُبِّ إِنَّمَا هُوَ نَبِيٌّ مُؤَيَّدٌ مِنَ السَّمَاءِ

عِنْدَ ذَلِكَ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَقَام فِي مَلَةٍ مِنَ النَّاسِ ، وَأَعْلَنَ بَرَاءَتَهُ مِنْ آثَامِ قُرَيْشٍ وَأَوْزَارِهَا ، وَخَلْعَهُ لِأَصْنَامِهَا وَأَوْثَانِهَا وَدُخُولَهُ في دِينِ اللهِ .

هَاجَرَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَزِمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَشَهِدَ مَعَهُ ( خَيْبَرَ ) وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْغَزَوَاتِ

مِنْ بَعْدِهِ وَلَمَّا انْتَقَلَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ له إِلَى جِوَارِ رَبِّهِ وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُ ، ظَلَّ مِنْ سَيْفًا مَسْلُولًا فِي أَيْدِي خَلِيفَتَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَعَاشَ مَثَلًا فَرِيدًا فَذَا لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي اشْتَرَى الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا ، وَآثَرَ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ عَلَى سَائِرِ رَغَبَاتِ النَّفْسِ ، وَشَهَوَاتِ الْجَسَدِ .

وَكَانَ خَلِيفَتَا رَسُولِ اللَّهِ اللهِ يَعْرِفَانِ لِسَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ صِدْقَهُ وَتَقْوَاهُ ،وَيَسْتَمِعَانِ إِلَى نُصْحِهِ ، وَيُصِيخَانِ إِلَى قَوْلِهِ .

قصة في فترة خلافته:



دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ فَقَالَ :

يَا عُمَرُ ، أُوصِيكَ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ فِي النَّاسِ ، وَلَا تَخْشَى النَّاسَ فِي اللَّهِ ، وَأَلَّا يُخَالِفُ قَوْلُكَ فِعْلَكَ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا صَدَّقَهُ الْفِعْلُ

يَا عُمَرُ : أَقِمْ وَجْهَكَ لِمَنْ وَلَّاكَ اللَّهُ أَمَرَهُ مِنْ بَعِيدِ الْمُسْلِمِينَ وَقَرِيبِهِمْ ، وَأَحِبُّ لَهُمْ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ ، وَاكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِ بَيْتِكَ ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ وَلَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ

فَقَالَ عُمَرُ : وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَا سَعِيدُ ؟!

فَقَالَ : يَسْتَطِيعُهُ رَجُلٌ مِثْلُكَ مِمَّنْ وَلَّاهُمُ اللَّهُ أَمْرَ أُمَّةٍ مُحَمَّدٍ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَحَدٌ .

عِنْدَ ذَلِكَ دَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَعِيدًا إِلَى مُؤَازَرَتِهِ وَقَالَ :

يَا سَعِيدُ إِنَّا مُوَلُّوكَ عَلَى أَهْلِ ( حِمْصَ » ، فَقَالَ :

يَا عُمَرُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَلَّا تَفْتِنَنِي

فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ :

وَيْحَكُمْ ... وَضَعْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ فِي عُنُقِي ثُمَّ تَخَلَّيْتُمْ عَنِّي !!....

وَاللَّهِ لَا أَدَعُكَ ، ثُمَّ وَلَّاهُ عَلَى ( حِمْصَ » وَقَالَ : أَلَا نَفْرِضُ لَكَ رِزْقًا ؟ . قَالَ : وَمَا أَفْعَلُ بِهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟! فَإِنَّ عَطَائِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَزِيدُ عَنْ حَاجَتِي ، ثُمَّ مَضَى إِلَى ( حِمْصَ ) .

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى وَفَدَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُ مَنْ يَثِقُ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ ) ، فَقَالَ لَهُمْ : اكْتُبُوا لِي أَسْمَاءَ فُقَرَائِكُمْ حَتَّى أَسُدَّ حَاجَتَهُمْ .

فَرَفَعُوا كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ : فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ

فَقَالَ : وَمَنْ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ؟!

فَقَالُوا : أَمِيرُنَا .

قَالَ : أَمِيرُكُمْ فَقِيرٌ ؟! .

قَالُوا : نَعَمْ ، وَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَتَمُرُ عَلَيْهِ الْأَيَّامُ الطَّوَالُ وَلَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ

فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى بَلَلَتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى أَلْفِ دِينَارٍ فَجَعَلَهَا فِي صُرَّةٍ وَقَالَ : اقْرَؤُوا عَلَيْهِ السَّلَامَ مِنِّي ، وَقُولُوا لَهُ : بَعَثَ إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الْمَالِ لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِكَ

جَاءَ الْوَفْدُ لِسَعِيدِ بِالصُّرَّةِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ دَنَانِيرُ ، فَجَعَلَ يُبْعِدُهَا عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - كَأَنَّمَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ أَوْ حَلَّ بِسَاحَتِهِ خَطْبٌ - فَهَبَّتْ زَوْجَتُهُ مَذْعُورَةً وَقَالَتْ :

مَا شَأْنُكَ يَا سَعِيدُ ؟! ... أَمَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟! . ...

قَالَ : بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ

قَالَتْ : أَأَصِيبَ الْمُسْلِمُونَ فِي وَقْعَةٍ ؟! .

قَالَ : بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ .

قَالَتْ : وَمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ؟! .

قَالَ : دَخَلَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا لِتُفْسِدَ آخِرَتِي ، وَحَلَّتِ الْفِتْنَةُ فِي بَيْنِي .

قَالَتْ : تَخَلَّصْ مِنْهَا - وَهِيَ لَا تَدْرِي مِنْ أَمْرِ الدُّنَانِيرِ شَيْئًا ..

قَالَ : أَوْ تُعِينِينَنِي عَلَى ذَلِكِ ؟ .

قَالَتْ : نَعَمْ .

فَأَخَذَ الدُّنَانِيرَ فَجَعَلَهَا فِي صُرَرٍ ثُمَّ وَزْعَهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ .

لَمْ يَمْضِ عَلَى ذَلِكَ طَوِيلُ من الوَقْتٍ ، حَتَّى أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دِيَارَ الشَّامِ يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَهَا ، فَلَمَّا نَزَلَ بِحِمْصَ ) - وَكَانَتْ تُدْعَى ( الْكُوَيْفَةَ ) وَهُوَ تَصْغِيرُ لِلْكُوفَةِ ، وَتَشْبِيَّةٌ ( لِحِمْصَ بِهَا لِكَثْرَةِ شَكْوَى أَهْلِهَا مِنْ عُمَالِهِمْ وَوَلَاتِهِمْ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ أَهْلُ الْكُوفَةِ » - فَلَمَّا نَزَلَ بِهَا لَقِيَهُ أَهْلُهَا لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ

فَقَالَ : كَيْفَ وَجَدْتُمْ أَمِيرَكُمْ ؟ ...

فَشَكَوْهُ إِلَيْهِ وَذَكَرُوا أَرْبَعَاً مِنْ أَفْعَالِهِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ .

قَالَ عُمَرُ : فَجَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، وَدَعَوْتُ اللَّهَ أَلَّا يُخَيْبَ ظَنِّيَ فِيهِ ؛ فَقَدْ كُنْتُ عَظِيمَ الثَّقَةِ بِهِ ... فَلَمَّا أَصْبَحُوا عِنْدِي هُمْ وَأَمِيرُهُمْ ، قُلْتُ :

مَا تَشْكُونَ مِنْ أَمِيرِكُمْ ؟

قَالُوا : لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا حَتَّى يَتَعَالَى النَّهَارُ .

فَقُلْتُ : وَمَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ يَا سَعِيدُ ؟ .

فَسَكَتَ قَلِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ ، أَمَا وَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِي خَادِمٌ ، فَأَقُومُ فِي كُلِّ صَبَاحٍ فَأَعْجِنُ لَهُمْ عَجِينَهُمْ ،ثُمَّ أَتَرَيْث قَلِيلًا حَتَّى يَخْتَمِرَ ، ثُمَّ أَخْبِرُهُ لَهُمْ ، ثُمَّ أَتَوَضَّأُ وَأَخْرُجُ لِلنَّاسِ .

قَالَ عُمَرُ : فَقُلْتُ لَهُمْ : وَمَا تَشْكُونَ مِنْهُ أَيْضًا ؟ .

قَالُوا : إِنَّهُ لَا يُجِيبُ أَحَدًا بِلَيْلٍ .

قُلْتُ : وَمَا تَقُولُ فِي ذَلِكَ يَا سَعِيدُ ؟

قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أُعْلِنَ هَذَا أَيْضًا ... فَأَنَا قَدْ جَعَلْتُ النَّهَارَ لَهُمْ ، وَاللَّيْلَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

قَلْتُ : وَمَا تَشْكُونَ مِنْهُ أَيْضًا ؟ .

قَالُوا : إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْنَا يَوْمًا فِي الشَّهْرِ .

قَلْتُ : وَمَا هَذَا يَا سَعِيدُ ؟

قَالَ : لَيْسَ لِي خَادِمٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثِيَابٌ غَيْرُ الَّتِي عَلَيَّ ، فَأَنَا أَغْسِلُهَا فِي الشَّهْرِ مَرَّةً وَأَنْتَظِرُهَا حَتَّى تَجِفَّ ، ثُمَّ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فِي آخِرِ النَّهَارِ . 

ثُمَّ قُلْتُ : وَمَا تَشْكُونَ مِنْهُ أَيْضًا ؟ .

قَالُوا : تُصِيبُهُ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ غَشْيَةٌ فَيَغِيبُ عَمَّنْ فِي مَجْلِسِهِ

فَقُلْتُ : وَمَا هَذَا يَا سَعِيدُ ؟!

فَقَالَ : شَهِدْتُ مَصْرَعَ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٌّ وَأَنَا مُشْرِكٌ ، وَرَأَيْتُ قُرَيْشًا تُقَطِّعُ جَسَدَهُ وَهِيَ تَقُولُ لَهُ : أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَكَانَكَ ؟

فَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ آمِنًا فِي أَهْلِي وَوَلَدِي ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا تَشُوكُهُ شَوْكَةٌ ... وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَكَيْفَ أَنِّي تَرَكْتُ نُصْرَتَهُ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِي ... وَأَصَابَتْنِي تِلْكَ الْغَشْيَةُ .

عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُخَيِّبْ ظَنِّي بِهِ .

ثُمَّ بَعَثَ لَهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى حَاجَتِهِ .

فَلَمَّا رَأَتْهَا زَوْجَتُهُ قَالَتْ لَهُ :

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَغْنَانَا عَنْ خِدْمَتِكَ ، إِشْتَرِ لَنَا مَؤُنَةٌ ، وَاسْتَأْجِرْ لَنَا خَادِمًا .

فَقَالَ لَهَا : وَهَلْ لَكِ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ ؟

قَالَتْ : وَمَا ذَاكَ ؟! .

قَالَ : نَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يَأْتِينَا بِهَا ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا .

قَالَتْ : وَمَا ذَاكَ ؟! .

قَالَ : نُقْرِضُهَا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا .

قَالَتْ : نَعَمْ ، وَجُزِيتَ خَيْرًا

فَمَا غَادَرَ مَجْلِسَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَتَّى جَعَلَ الدَّنَانِيرَ فِي صُرَرٍ ، وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ : انْطَلِقْ بِهَا إِلَى أَرْمَلَةِ فَلَانٍ ، وَإِلَى أَيْتَامِ فُلَانٍ ، وَإِلَى مَسَاكِينِ آلِ فُلَانٍ ، وَإِلَى مُعْوِزِي آلِ فُلَانٍ .

وفاته:

توفِّي سنة (19) هـ بقيساريّة أميرا عليها، وقيل: بالرّقة سنة (18)، وقال ابن سعد في الطبقة الثالثة: مات سنة (20)، وهو والٍ على بعض الشام لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما

رَضِيَ اللَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ الْجُمَحِيَّ فَقَدْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .



NameE-MailNachricht